اضطراب طيف التوحد هو أحد الاضطرابات المعقدة والغامضة التي تشكل تحديًا كبيرًا. يعاني الكثيرون من الأباء والأمهات من الشك والقلق بشأن وجود اضطراب التوحد لدى أطفالهم وخصوصا مع انتشار المفاهيم الخاطئة حول طيف التوحد.
لذلك، سنقدم في هذا المقال معلومات دقيقة وموثقة استنادًا إلى خبراتنا في هذا المجال التي استمرت لعدة عقود، بالإضافة إلى الاطلاع على بعض الكتب والمصادر العلمية، واستشارة بعض الخبراء والاستشاريين والمتخصصين ذوي الخبرة في حالات التوحد، أو ما يُشار إليه بالأوتيزم أو الذاتوية.
ما المقصود باضطراب طيف التوحد
هو اضطراب عصبي مستمر يتسم بصعوبات في التواصل الاجتماعي والتفاعل الاجتماعي، والتي تترافق عادةً مع سلوك متكرر ومحدود ومهارات واهتمامات ذات نطاق ضيق. وتظهر أعراض اضطراب طيف التوحد في الطفولة المبكرة، وتستمر طوال الحياة.
وفقًا للتشخيص الخامس يتطلب تشخيص طيف التوحد وجود عدة أعراض رئيسية في مجالات التواصل الاجتماعي والسلوك المحدود والمتكرر، بالإضافة إلى أعراض ثانوية أخرى تؤثر على الوظيفة اليومية للفرد.
يجب أن يتم تشخيص طيف التوحد من قبل متخصصين يستندون إلى معايير التشخيص والملاحظات المتعلقة بتاريخ الحالة والتقييم الشامل للأعراض.
علامات تشير الى وجود اضطراب طيف التوحد
- مشكلات اللغة: يعاني الأطفال المصابون بطيف التوحد من صعوبات في التواصل اللغوي. قد يكونون يتأخرون في اكتساب مهارات الكلام والتواصل اللغوي، وقد يظهرون صعوبة في فهم اللغة المنطوقة واستخدامها بشكل صحيح.
- الرتابة والروتين: يظهر لدى الأطفال المصابين بطيف التوحد تمسكًا شديدًا بالروتين والرتابة. قد يكونون عندهم حاجة ماسة إلى الثبات والتنظيم، وأي تغيير في الروتين اليومي أو البيئة المحيطة بهم يسبب لهم إحساسًا بالارتباك والاضطراب.
- مشكلات الجانب الاجتماعي: يواجه الأطفال المصابون بطيف التوحد صعوبات في التفاعل الاجتماعي والتواصل الاجتماعي. قد يصعب عليهم إقامة علاقات اجتماعية صحية مع الآخرين وفهم التعابير الوجهية والإشارات الاجتماعية. قد يتجنبون النظر في العيون ويعانون من صعوبة في التواصل غير اللفظي.
- الاهتمام المحدود والتكرار الدائري: يعتبر الاهتمام المحدود والتكرار الدائري واحدة من الأعراض الشائعة للاضطراب التوحدي. يتمثل ذلك في تركيز الطفل على اهتمامات محددة ومحدودة بشكل غير عادي، وتكرار أنماط السلوك والأنشطة بشكل متكرر ومتواصل. قد يظهر هذا بشكل واضح في رغبته الشديدة في تكرار نفس الأنشطة أو اللعب بنفس الألعاب بدون تنويع.
- اضطراب بالحواس: تعاني بعض الأطفال المصابين بالتوحد من حساسية حادة تجاه المؤثرات الحسية، مثل الأصوات العالية أو الأضواء الساطعة أو اللمس الحساس. قد يتجاوب الطفل بشكل مفرط أو عكسي تجاه هذه المؤثرات، وقد يعبر عن ذلك بانفعالات قوية مثل البكاء أو الاحتجاج.
- التأخر في التطور الحركي: بعض الأطفال التوحديين يعانون من تأخر في التطور الحركي، مثل الجلوس والزحف والمشي. قد يتأخر الطفل في اكتساب المهارات الحركية الأساسية بمعدل أبطأ من الأطفال العاديين في نفس العمر.
- التركيز في أنشطة محددة: يمكن أن ينغمس الطفل التوحدي بشكل مفرط في أنشطة محددة ويفضل التركيز عليها بشكل مفرط. قد يكون اهتمامه المكثف بهذه الأنشطة محاصرًا ويستهلك وقتًا كبيرًا من وقته اليومي دون الاهتمام بأنشطة أخرى أو التفاعل مع الآخرين.
في حالة توافر هذه العلامات، فإنه من المحتمل أن يكون الطفل لدية اضطراب طيف التوحد.
ومن الضروري أن يتم التوجه إلى متخصصين مؤهلين لتقييم الطفل وتشخيص حالته بدقة. هذا يساعد في توفير الدعم والعلاج المناسبين للطفل.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون هناك توعية حول طيف التوحد والمعلومات الصحيحة حول الاضطراب. يجب أن يتم تجنب الأفكار المغلوطة والنظريات غير المؤكدة التي قد تؤدي إلى تشويه فهمنا للتوحد وتعطيل الدعم المناسب للأطفال المصابين به.
الفرق بين اضطراب طيف التوحد والتأخر اللغوى
هناك اختلافات أساسية بين اضطراب طيف التوحد والتأخر اللغوي
- التفاعل الاجتماعي: في حالة اضطراب طيف التوحد، يكون من الصعب على الأفراد التواصل والتفاعل اجتماعيًا بشكل طبيعي. قد يصعب عليهم التعبير عن مشاعرهم أو التفاعل بشكل مناسب مع الآخرين. قد يتجنبون النظر في العيون أو الاهتمام بالإشارات الاجتماعية الغير لفظية، وغالبًا ما يفتقرون إلى المرونة في التفاعل الاجتماعي.
- التواصل البصري: يمكن أن يكون لدى الأفراد ذوي اضطراب طيف التوحد صعوبة في التواصل بصريًا. على سبيل المثال، قد يقتصر التواصل البصري على نظرات جانبية فقط، ولا يكون هناك تبادل للتعابير الوجهية أو استخدام اللغة الجسدية بشكل كافٍ. قد يفتقرون أيضًا إلى فهم إشارات الجسم والتعبيرات الوجهية للآخرين.
من ناحية أخرى، التأخر اللغوي يشير إلى صعوبات في التطور اللغوي الطبيعي لدى الطفل، حيث يتأخر في اكتساب المهارات اللغوية المناسبة لعمره. في حالة التأخر اللغوي، قد يظهر الطفل صعوبة في النطق السليم للكلمات، فهم اللغة، واستخدامها بشكل صحيح في الجمل. وعلى الرغم من أن الطفل قد يواجه صعوبة في التواصل الاجتماعي، فإنه لا يعاني من صعوبات واضحة في التواصل البصري أو التفاعل الاجتماعي كما في اضطراب طيف التوحد. علاوة على ذلك، قد يكون لدى الأطفال ذوي التأخر اللغوي صعوبة في فهم المعاني الاجتماعية للغة واستخدامها في سياقات اجتماعية مختلفة.
على الرغم من وجود تشابه بين الاضطراب اللغوي واضطراب طيف التوحد في بعض الجوانب، إلا أن هناك اختلافات أساسية فيما يتعلق بالتشخيص والعلامات السلوكية
ومن الاختلافات الأساسية بين اضطراب طيف التوحد والتأخر اللغوي
- مشكلة بالتواصل السمعي. في حالة اضطراب طيف التوحد، قد يواجه الطفل صعوبات في استيعاب وتفسير المعلومات السمعية بشكل صحيح ومناسب. قد يكون لديه صعوبة في تركيز الانتباه على الأصوات المحيطة، وفي فهم المعنى الدقيق للكلمات والعبارات المنطوقة، وفي التعبير عن نفسه بوضوح وفهم الرسائل الاجتماعية المتعلقة بالصوت واللغة.
على الجانب الآخر، قد يعاني الأطفال ذوو التأخر اللغوي من صعوبات في تطوير واستخدام اللغة بشكل عام، بما في ذلك الكلام والاستماع والتفاهم اللغوي. قد يتأخرون في اكتساب المفردات وتكوين الجمل، وقد يواجهون صعوبة في البناء اللغوي الصحيح وفي التواصل الفعال مع الآخرين. ومع ذلك، قد يكون لديهم القدرة على استيعاب المعلومات السمعية بشكل عام وتنفيذ الأوامر الصوتية إذا تم تقديمها بوضوح وبطريقة مباشرة.
بالتالي، يمكن أن يكون لدى الطفل التوحدي صعوبات في الاستجابة للمعلومات السمعية وتنفيذ الأوامر بسبب اضطرابات التواصل والانتباه المرتبطة به. بينما قد يواجه الطفل ذو التأخر اللغوي صعوبات في تطوير اللغة والتواصل، ولكن ليس بالضرورة أن تكون لديه مشاكل في استيعاب المعلومات السمعية أو تنفيذ الأوامر بشكل عام.
- فهم الأوامر: الطفل ذو اضطراب طيف التوحد: قد يواجه صعوبة في فهم الأوامر اللفظية والتعليمات البسيطة. قد يكون لديه صعوبة في تطبيق الأوامر بشكل صحيح وفي الوقت المناسب. قد يبدو غير مهتم بالاستجابة للأوامر أو يظهر سلوكًا متكررًا ورتابة في الاستجابة.
الطفل ذو تأخر لغوي: على العموم، يكون لدى الطفل قدرة أفضل على فهم الأوامر اللفظية وتطبيقها. قد يتطلب منه بعض التفكير الإضافي والمساعدة الإضافية في تطبيق الأوامر، لكنه عادة ما يظهر تقدمًا بمرور الوقت.
- المشاكل الحسية: الطفل ذو اضطراب طيف التوحد: قد يظهر لديه حساسية زائدة أو انخفاض في استجابته للحواس الحسية، مثل اللمس والسمع والبصر. قد يكون لديه ردود فعل مفرطة للحواس، مثل تفادي اللمس أو الصوت العالي، أو قد يبدو عدم اهتمامه بالحواس المحيطة.
الطفل ذو تأخر لغوي: قد لا يعاني من مشاكل حسية بنفس القدر الذي يعانيه الطفل ذو اضطراب طيف التوحد. قد يتمتع بتحمل أفضل للحواس وتكيف أفضل مع الاستثارة الحسية.
يرجى ملاحظة أن الاختلافات التي ذكرتها هي عامة وقد تكون هناك استثناءات وتداخلات بين الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد والأطفال ذوي تأخر لغوي. قد يكون هناك أطفال ذوي اضطراب طيف التوحد يظهرون بعض المهارات اللغوية والتفاعل الاجتماعي، وكذلك قد يكون هناك أطفال ذوي تأخر لغوي يعانون من صعوبات في التواصل البصري والسمعي.
- الحركات التكرارية ليست بالضرورة علامة تميز بين الطفل ذو التأخر اللغوي والطفل ذو اضطراب طيف التوحد. الحركات التكرارية والسلوكيات المتكررة هي جزء من مجموعة الأعراض التي قد تكون موجودة في طيف التوحد، وتعرف هذه الأعراض بـ"السلوكيات النمطية والمتكررة".
ومع ذلك، قد يكون لدى بعض الأطفال ذوي التأخر اللغوي بعض الحركات التكرارية أو السلوكيات المتكررة، وهذا يمكن أن يتسبب في بعض الصعوبات في التشخيص. لذلك، من الأهمية بمكان الاستناد إلى تقييم متخصص لتحديد ما إذا كانت الأعراض الموجودة تشير إلى اضطراب طيف التوحد أو تأخر لغوي.
لذا، لا يمكن الاعتماد على عرض من الاعراض لتشخيص اضطراب طيف التوحد أو التأخر اللغوي. ينبغي الاستناد إلى تقييم شامل يتضمن العديد من الجوانب المختلفة للتواصل والتفاعل الاجتماعي واللغة والحساسية الحسية.
لذلك، إذا كان لديك قلق بشأن تأخر لغوي أو اضطراب طيف التوحد لدى طفلك، فمن الأفضل أن تستشير طبيباً متخصصاً في صحة الأطفال أو اختصاصي نفسي يعمل في مجال التوحد للحصول على تقييم متخصص وتوجيه مناسب.